مناورة تأجيل قضية القدس

لا تزال أحداث القدس تحتل العناوين الرئيسية للصحف وتتصدر نشرات الأخبار المسموعة والمرئية في الاذاعات والقنوات الفضائية ومادة الحديث والمناقشة في المؤتمرات والندوات المصرية والعربية والإسلامية‏..‏ وسوف يظل صوت القدس يدوي في الأفق حتي نتبين ما سوف تسفر عنه ترتيبات الإدارة الأمريكية وكذا اللجنة الرباعية الدولية لتدشين إعلان قيام دولة فلسطينية‏,‏ بدون الألف واللام كأداة تعريف وبدون ذكر للقدس الشرقية كعاصمة والأكثر خطورة يبدو في مناورة تأجيل قضية القدس

حتي تستكمل إسرائيل مخططها عند باب المغاربة لزعزعة أساسات الحرم القدس الشريف ولا شك ان تعبئة الرأي العام العالمي بشأن القدس في المرحلة العصيبة الحالية تتطلب من الإعلام العربي والإسلامي مبادرات عديدة تؤكد أولوية قضية القدس كما تؤكد عروبتها الغائبة عن أذهان قطاع كبير من الرأي العام العالمي الذي وقع في شراك المغالطات التاريخية التي أشاعتها اسرائيل وتجاوب معها كتاب أوروبيون وأمريكيون مشايعون للحركة الصهيونية‏,‏ لكن صدور كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر‏(‏ فلسطين‏..‏ سلام لافصل عنصري‏)

(‏ الفصل العنصري‏)‏ جاء في توقيت قاتل للإعلام الأمريكي والإسرائيلي معا‏..‏

وإن كنا نحن أصحاب القضية لم نوظفه التوظيف الإعلامي الأمثل فتأخرنا في ترجمته لا للغة العربية فحسب بل لكل لغات العالم الرئيسية‏..‏ ولم نعقد له من المؤتمرات والندوات العربية والأقليمية والدولية ما يحقق سرعة نشر آرائه وأفكاره الجريئة والتي تساند بصورة عامة الموقف الفلسطيني الحالي‏.‏

وتكتمل التعبئة الإعلامية العربية والإسلامية لو استضفنا مفكرين وكتابا وإعلاميين من جنوب إفريقيا التي نالت استقلالها بزعامة نيلسون مانديلا عام‏1994‏ بعد كفاح طويل لتصفية الأبارتيد‏(‏ الفصل العنصري‏)‏ وفي هذا السياق يبرز تعاطف نيلسون مانديلا نفسه مع القضية الفلسطينية وكان صديقا حميما للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ولا يخفي علينا تمتع مانديلا بكاريزما دولية قوية وواسعة‏.‏
‏
{{{‏ ونأتي لتوثيق خطابنا الإعلامي العربي والإسلامي بشأن القدس لا بإعادة التذكير بقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد عروبة القدس فحسب بل نحاول الإسراع بنشر التقارير الميدانية الرئيسية لمنظمة اليونيسكو التي قدمها مبعوثو المنظمة الي القدس وسجلوا فيها انتهاكات إسرائيل لتهويد المدينة والاخطار التي تهدد المدينة وكان من أبرز تلك التقارير تقرير الخبير الدولي ليون بير سوبر أواخر عام‏1999‏ وأبرز فيه انتهاكات إسرائيل للواقع الحضاري العربي للمدينة‏.‏

ويخلص التقرير إلي عدة حقائق تعكس جانبا من جوانب عمليه التهويد وفي مقدمة تلك الحقائق‏.‏

‏1‏ ـ الاخطار التي تتعرض لها مدينة القدس القديمة بسبب مشروع القدس الكبري حيث اصبحت المدينة القديمة مدينة حبيسة ومحصورة ومطوقة تماما في مدينة مترامية الاطراف تشهد حدودها توسعا مستمرا لحساب المستوطنين اليهود الجدد‏.‏

ومن ناحية اخري يشير التقرير الدولي الي توسيع شبكة المستوطنات الاسرائيلية ومد فروعها بما في ذلك داخل مناطق تتسم بالحساسيه ومنها علي سبيل ما يجري في مستوطنة معالي أدوميم‏.‏

هذا فضلا عن اعمال تهيئة الطرقات حول المدينة القديمة وما يترتب عليها من عواقب جسيمة بالنسبة لبيئة اصبحت تطغي عليها اكثر فاكثر الانشاءات الهندسية والمعابر والجدران الداعمه التي لا تستطيع علي الرغم من العناية البالغة لتشييدها ان تخفي الهدف من انشائها وهو تهميش المنظر العام لضواحي المركز التاريخي للمدينة‏,‏ ومثل هذا التغيير الحضري من وجهة نظر تقرير اليونسكو يعد تدهورا حتميا لقيم التراث‏.‏

‏2‏ ـ الاخطار التي اصابت تماسك النسيج الحضري والتراث المعماري للمدينه القديمه نتيجه التغييرات في التركيبة الاجتماعية وهنا يمكن الاشارة الي التمايز التقليدي بين اربعة أحياء كبري‏:‏ حي يهودي في الجهة الجنوبية الشرقية وحي ارمني في الجهة الجنوبية الغربية وحي مسيحي في الجهة الشمالية الغربية وحي اسلامي في الجهه الشمالية الشرقية‏,‏ غير أن الخصائص الثقافية المميزة لهذه الاحياء التاريخيه كما يرد في تقرير اليونسكو آخذة في التغير مما يؤدي الي عواقب مؤسفة بالنسبة لتماسك النسيج الحضري واصاله المباني‏,‏

وعلي سبيل المثال يشير تقرير اليونسكو الي الاخطار المتعددة التي يتعرض لها الحي الاسلامي وهو الحي الذي احتفظ الي حد كبير بشبكة طرقاته ومبانيه التقليدية وتتمثل تلك الاخطار في الاكتظاظ السكاني وتغير التركيبة الاجتماعية قد يعطي مبررا لما يحدث لتدخل السلطات الاسرائيلية لممارسة عمليات هدم تعسفية‏.‏

اما تغير التركيبه الاجتماعيه فيتعلق الامر بالمستوطنات اليهودية وانشاء شبكه ممرات خاصه للانتقال بين اسطح تلك المستوطنات وتتأثر اصاله المدينه القديمه وتتضرر حتما بسبب تلك الاعمال التي تستهدف الفصل بين السكان‏.‏

‏{{{‏ تلك جوانب خطيرة مما حمله تقرير منظمه اليونسكو الذي يجب ان يكون وثيقه من وثائق التحرك الدبلوماسي والاعلامي العربي لكشف الوجه القبيح لاسرائيل وهي تواصل عمليه تهويد القدس والتي تستهدف تجميد المفاوضات بشأنها حتي تستكمل تهويد المدينه المقدسه برمتها‏,‏ ولا يزال في تقرير اليونسكو وغيره من الوثائق والشهادات الدولية ما يكشف تلك الاخطار لنا وللرأي العام العالمي‏