Admin Admin
عدد الرسائل : 832 تاريخ التسجيل : 18/02/2007
| موضوع: اســــتراتيجية بوش.. والنجـــاح المســــتحيل! الجمعة فبراير 23, 2007 10:05 am | |
| اســــتراتيجية بوش.. والنجـــاح المســــتحيل! بقلم: مـرسي عطـا اللـه هل هناك فرصة حقيقية لنجاح الخطة الأمنية الجديدة في العراق؟ وما هو الجديد في هذه الخطة عما سبقها من عشرات الخطط التي أعلنت عنها أمريكا ـ تباعا ـ منذ غزوها للعراق في مارس2003 ؟ وكم من الوقت يمكن أن تستغرقه هذه الخطة لضمان عودة الأمن والاستقرار لأرض الرافدين؟ وهل هدف الخطة هدف أمني بحت, أم أنه جزء من سياق يؤدي في النهاية لحل سياسي يعيد للوطن العراقي لحمته, وينهي حالة التمزق العرقي والتشرذم الطائفي والصراع المذهبي الذي يدفع العراقيون ثمنه الباهظ لأكثر من4 سنوات متصلة؟
هذه الأسئلة وغيرها تساؤلات عديدة تستحق أن تحظي باهتمام في الأجندة العربية والإقليمية, لأن ما يجري في العراق لن يسلم من شروره ومخاطره أحد إذا استمرت حالة الفلتان الأمني والفراغ السياسي الراهنة!
بداية أظن أنني لست في حاجة إلي القول إن الرهان علي الحل الأمني هو رهان فاشل مسبقا, ليس فقط بالنسبة للعراق, وإنما في أي مكان آخر في العالم, لأن الأزمة في جوهرها وفي أساسها أزمة سياسية ليس لها من مخرج سوي الحل السياسي!
وأيضا فلست أظن أنني في حاجة إلي القول بأن الأهداف والمقاصد العليا لا تتحقق بالأمنيات أو التعهدات, وإنما يتطلب الأمر رؤية موضوعية للحدث حتي يمكن الشروع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل معه وفق الآليات الملائمة.
أريد أن أقول بوضوح: إن كل من يهمه أمر العراق والحفاظ علي وحدته واستقلاله يتمني من صميم قلبه أن تنجح الخطة الأمنية الجديدة في العراق, ولكن التمني وحده ليس كافيا, لأن أي خطة تحتاج إلي توافر العناصر التي تصنع نجاحها, وإذا غابت كل هذه العناصر أو بعضها أصبح مصير الخطة في مهب الريح!
وهنا يكون السؤال الضروري هو: كيف يمكن الرهان علي نجاح هذه الخطة الأمنية التي يغيب عنها العنصر الأهم من عناصر النجاح, وهو البعد السياسي؟
إن غياب البعد أو الوجه السياسي لهذه الخطة الأمنية يمثل أحد أهم علامات عدم الاطمئنان لإمكانية نجاحها, بل ربما يفرز إحساسا مبكرا بالخوف من أن تزداد الأمور سوءا عما كانت عليه قبل بدء تنفيذ هذه الخطة.
لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول: إن غياب البعد السياسي في هذه الخطة يعني غياب الثقة الشعبية المطلوب توافرها لضمان النجاح وحشد كل قوي المجتمع العراقي خلف هدف استعادة الأمن والاستقرار واجتثاث التنظيمات الإرهابية وفرق الموت المذهبية, حيث يظل القلق يساور قوي وفصائل عديدة من الإسهام الجاد في نجاح الخطة التي تفتقر إلي الأفق السياسي الواضح, وإلي غياب الضمانات الكافية لعدم استثمار هذه الخطة مستقبليا في إعادة تقوية وتعزيز بعض الفئات والطوائف والمذاهب علي حساب الفئات والطوائف والمذاهب الأخري!
والحقيقة أنني استنادا لمتابعة دءوبة للوضع في العراق واعتمادا علي آراء لها وزنها من رموز عراقية التقيتها في مصر وخارج مصر, علي مدي السنوات الأخيرة, فإن الكل في العراق يريد الأمن ويحلم بعودة الاستقرار, ولكن الهاجس الأكبر هو الخوف من غياب العناصر المحايدة عند تنفيذ مثل هذه الخطط الأمنية, الأمر الذي يؤدي إلي الانتقائية, وبالتالي فإنه بدلا من بذر بذور الاستقرار تؤدي الخطة إلي تأجيج الغضب, وتعميق الشعور بالتهميش والاضطهاد لدي بعض الفئات, مما يؤدي إلي إيجاد مشكلات أمنية أكثر حدة, وأشد ضراوة, بدلا من معالجة المشكلات القديمة.. وليست واقعة اغتصاب السيدة العراقية علي يد قوات الشرطة في بغداد في ثاني أيام تنفيذ الخطة سوي أحد عناوين القلق والارتياب!! *** إن المسألة في اعتقادي أعمق وأشمل من حصرها في طرد وملاحقة التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تحصد أرواح الأبرياء دون تمييز, وتزرع الفتنة عن عمد وإصرار!
وأيضا فإن المسألة أوسع وأبعد من مجرد الرهان علي التقليل من عدد السيارات المفخخة بعد الترتيبات الصارمة التي شملت إغلاق الحدود مع سوريا وإيران, أو مجرد التبشير بقرب تمكين اللاجئين الذين هجروا منازلهم من العودة والاستقرار في العراق تحت مظلة الإحساس باستعادة أجواء الحياة العادية.
إن كل ما تتحدث عنه الخطة الأمنية يندرج تحت لافتة الأهداف النبيلة التي يتوق العراقيون لبلوغها, ولكن أكثر ما يغيب عن الذين يراهنون علي نجاح هذه الخطة أنها, ومهما قيل عن نبل مقاصدها, تظل في نظر قوي عراقية كثيرة خطة احتلال تنفذها قوات احتلال, وبالتالي فإنها تثير الكثير من الشكوك والمخاوف بأكثر مما تفرز من الأماني والأحلام, خاصة ما يتعلق بأمنية طي صفحة الغزو البغيض سريعا, وأيضا ما يتعلق بحلم استعادة الاستقلال الحقيقي للعراق برحيل القوات الأمريكية والقوات الحليفة لها, التي تجثم علي أرض الرافدين تحت لافتة مزيفة, ـ من وجهة نظر فصائل عراقية كثيرة ـ اسمها القوات متعددة الجنسيات!
ثم إن الخطة الأمنية الجديدة تحمل من سياسة رد الفعل بأكثر ما تحمل من سياسة المبادرة, لأنها كما يعلم الجميع انعكاس مباشر لأزمة أمريكا في العراق, وهي أزمة لا يمكن حلها باستراتيجية مطاطة تستمد قوتها فقط من أنها تحمل اسم استراتيجية بوش, لكنها في واقع الأمر تلقي مقاومة ورفضا صريحا في الداخل الأمريكي لم يعد مقتصرا علي الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس, وإنما امتد الرفض إلي قطاعات من الجمهوريين أيضا لخوفهم من تكرار سيناريو الحل بالطريقة الفيتنامية في العراق, وبالتالي توفير بيئة حاضنة لنمو الإرهاب وليس اقتلاعه!
ولعل أبرز علامات الاستفهام المثيرة للقلق حول الخطة الأمنية الجديدة في العراق أنها جاءت ترجمة مباشرة لاستراتيجية بوش المناقضة تماما لتوصيات لجنة بيكر ـ هاملتون التي ألحت علي ضرورة الإسراع بسحب القوات الأمريكية, وفتح قنوات الحوار مع إيران وسوريا, وتسليم الأمور الأمنية للعراقيين أنفسهم.
وبصرف النظر عن دقة وصوابية المبررات التي ساقها الرئيس بوش وأركان إدارته في عدم الاستجابة لتوصيات بيكر ـ هاملتون حتي لا يبدو الأمر علي شكل اعتراف أمريكي بفشل جيشها في العراق علي غرار ما حصل في فيتنام, فإن عناد البيت الأبيض ليس له من تفسير سوي الإصرار علي الغرق في الوحل العراقي من ناحية, وعدم الاكتراث بالثمن الباهظ الذي سيترتب علي خطة أمنية تخلو من البعد والأفق السياسي, وهو ثمن يدفع العراقيون غالبيته, لكن أمريكا لها أيضا نصيب فيه! *** وإذن ماذا؟
أعتقد أن إدارة الرئيس بوش لا تفكر البتة في حل حاسم ونهائي للمأزق العراقي, لأنها تعلم أن هذا الحل لابد أن يرتكز إلي شجاعة القبول بالانسحاب من العراق, وهي ترفض ذلك لأسباب عديدة.. فضلا عن أن قدرا من خبث التحليل السياسي ربما يؤدي إلي الاعتقاد بأن المتاعب التي يسببها له الديمقراطيون الآن, وتزايد المؤشرات التي ترجح أن الديمقراطيين سينتزعون البيت الأبيض العام المقبل تدفع به لإلقاء الكرة العراقية الملتهبة في حجر الرئيس الأمريكي الجديد.
ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن استراتيجية بوش التي انطلقت منها الخطة الأمنية الجديدة, ليست استراتيجية عبور إلي الشاطئ الآخر, وإنما هي استراتيجية السقوط في الحفر, والتدحرج نحو المنحنيات المغلقة!
إن استعادة الشعور بالأمن في العراق لن يتحقق بزيادة حجم القوات الأمريكية, أو بزيادة الاعتمادات المالية التي تقدم بها الرئيس بوش إلي الكونجرس, لأن عدد القوات الأمريكية لم يكن عددا محدودا في أي وقت من الأوقات, كما أن ما أنفقته أمريكا حتي الآن تجاوز400 مليار دولار.
إن المسألة ليست خططا جديدة أو استراتيجيات معدلة, وإنما المسألة هي شجاعة الاعتراف بالحاجة إلي رؤية سياسية متكاملة لكيفية الخروج المشرف من العراق بأقل التكاليف الممكنة.
وما لم تملك إدارة بوش شجاعة الاعتراف الشامل ـ وليس الاعتراف الجزئي ـ بخطأ الذهاب إلي الحرب ضد العراق, وكذلك خطأ عدم التحسب لمرحلة ما بعد انتهاء المعارك الكبيرة فإن السياسة الأمريكية ستظل في حالة تحفظ, وستبقي أسيرة لمشورات ونصائح الذين استدرجوها في العراق لأهداف وغايات بعيدة تماما عن الأهداف والمصالح الأمريكية العليا.
إن أزمة السياسة الأمريكية في العراق أنها نتاج الإصغاء لتوسلات الذين استدرجوا واشنطن للمجيء إلي بغداد, وأتوا معها علي ظهور الدبابات بحثا عن مغانم الحكم بعد إسقاط نظام صدام حسين, وأيضا فإنها نتاج الإصغاء لمستشاري السوء من اللوبي الصهيوني المتغلغل في مطبخ السياسة الأمريكية, ولا يرون في شئون الشرق الأوسط سوي ما يحقق المصالح الإسرائيلية في المقام الأول فقط!
وهذا هو جوهر المأساة في القراءة الدقيقة للمشهد العراقي الدامي والحزين!
| |
|