Admin Admin
عدد الرسائل : 832 تاريخ التسجيل : 18/02/2007
| موضوع: حــــــــوار ضــل طريقــــــــــه الثلاثاء فبراير 27, 2007 2:09 am | |
| حــــــــوار ضــل طريقــــــــــه بقلم: فهمـي هـويـــديالذين أطلقوا العنان لأهوائهم في المناقشات الجارية في مصر لم يحسبوها جيدا, لأنهم حين أرادوا هجاء الإخوان وقطع الطريق علي تقدم الإسلام السياسي, وقعوا في محظور الانتقاص من قدر الشريعة واضعاف الهوية الدينية للمجتمع, الأمر الذي أثار لدي كثيرين السؤال التالي: هل هم ضد الإخوان أم إنهم ضد الإسلام؟. (1) السؤال يعكس حالة البلبلة التي حدثت في أوساط الرأي العام من جراء ما اعتبرته في الأسبوع الماضي خطيئة وقع فيها المثقفون والإعلاميون, حين تزامنت مناقشاتهم لتعديل الدستور مع الحملة التي شنتها الأجهزة الأمنية علي جماعة الإخوان عقب أحداث جامعة الأزهر.
نعم ليس ذلك أول صدام بين الإخوان والسلطة, إذ ظل الاشتباك مستمرا بدرجات متفاوتة منذ عام1948 خلال العهود الثلاثة: الملكي, والناصري, والساداتي, إلا أن هذه هي المرة الأولي التي تتجاوز فيها التعبئة المضادة حدود المباح من جانب بعض المثقفين والإعلاميين إلي الحد الذي أثار الالتباس, ودفع البعض إلي التساؤل عن مقاصدها الحقيقية.
السهام التي أطلقت في ثنايا الحملة واستفزت المشاعر الدينية متعددة, لكني أخص بالذكر ثلاثة أمور هي: * الإدعاء بأن الخطاب الإسلامي يتبني الدعوة لإقامة حكومة دينية تستمد شرعيتها من الحق الإلهي, علي النحو الذي عرفته أوروبا في عصورها الوسطي, وهذه الحكومة المقدسة والمؤيدة من شأنها أن تصادر حريات الناس, وتجعل حياتهم جحيما. * الإدعاء بأن الشريعة الإسلامية تهدر قيمة المواطنة, ومن ثم تهدد الوحدة الوطنية, بما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان, يتمثل في الانتقاص من قدر غير المسلمين, وتحويلهم إلي مواطنين من الدرجة الثانية. * الدعوة إلي إلغاء أو اضعاف المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الإسلام دين الدولة, ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع. (2) رغم أن الذين روجوا لهذا الكلام قلة بين المثقفين, إلا أن أحدا لا ينكر أن صوتهم كان أعلي من غيرهم, وأن مواقعهم في أجهزة الإعلام الرسمية, والقومية سمحت لهم ببث أفكارهم علي نطاق واسع, الأمر الذي أسهم في اشاعة البلبلة بين الناس, حتي انقسموا إلي فريقين, أحدهما اشتد خوفه علي الإسلام, وثانيهما تعاظم خوفه من الإسلام, وفي الحالتين فإن موضوع الخوف كان الإسلام وليس الإخوان.
من المفارقات في هذا الصدد أنه بينما كانت بعض الأصوات تخوف الناس من الإسلام ودولته الدينية, وتدعو إلي إلغاء النص عليه في الدستور, كدين للدولة, فإن الخارجية المصرية أصدرت بيانا احتجت فيه علي تصريحات البرلماني الهولندي الذي أهان الإسلام وطالب المسلمين بالتخلص من نصف القرآن, وقد عبرت عن ذات الاحتجاج دول إسلامية عدة, في مقدمتها المملكة العربية السعودية, صحيح أن كلام البرلماني الهولندي خيرت ويلدرز( أصله تركي) كان بذيئا وفجا, إلا أنه لا يختلف عما صدر عن بعض مثقفينا إلا في الدرجة فقط. فقد طالب بالتخلص من نصف القرآن, بينما أصحابنا هؤلاء يطالبون بأسلوب آخر بطريق غير مباشر للتخلص من نسبة أقل, وبعضهم طالب بالتخلص من الإسلام ذاته في نص الدستور.
لم تكن هذه هي المفارقة الوحيدة, لأن ذات الصوت العالي في خطابنا الإعلامي حفل بعدة مفارقات أخري, أستطيع أن أعدد منها ما يلي: * إن المتحدثين انطلقوا من أن تنظيم القاعدة هو المتحدث الشرعي الوحيد باسم الإسلام, وإن حكومة طالبان هي المثل الأعلي في التطبيق الإسلامي, بالتالي فإنهم اعتبروا أن تاريخ الإسلام بدأ في تسعينيات القرن الماضي بالملا عمر, وصاحبيه أسامة بن لادن, وأيمن الظواهري, كما أن رسالته نزلت في كابول وقندهار, ولم تنزل في مكة والمدينة, ولأنهم اختزلوا التجربة الإسلامية في هذه الرموز والخبرات, فإنهم لم يروا في الإسلام سوي أنه كابوس خوفهم, من ثم فلم يقصروا في تخويف الناس وترويعهم منه!. * إنه من أجل كسب معركة سياسية ضد الإخوان في ظرف تاريخي معين, لم يتردد أصحابنا هؤلاء في التضحية بقضية استراتيجية تتمثل في اعتزاز الناس بدينهم وثقتهم فيه, واطمئنانهم إلي أن السلطة حريصة علي احترام تلك الأشواق إن لم تكن معبرة عنها, باعتبار ذلك من مسوغات شرعيتها فضلا عن كونه من مقتضيات السلم الأهلي. * إن حملة التعبئة المضادة أوهمت الناس بأن المطروح الآن هو تغيير النظام كله, وأن الإخوان بصدد تسلم السلطة غدا, الأمر الذي سوف يستصحب قلبا لكل الأوضاع الاجتماعية في البلد, وهو سيناريو متخيل لا صلة له بخرائط الواقع, ولا احتمالاته, لأن خبرة الخمسين سنة الأخيرة علي الأقل تدل علي أنه ما من قوة سياسية في مصر, لا الإخوان ولا غيرهم, تملك قدرة إحداث مثل ذلك الانقلاب. * المفارقة الرابعة أن أبرز الأفكار التي ترددت في سياق حملة التعبئة المضادة, هي ذاتها التي ما برح يرددها غلاة المتشددين وخصوم الإسلام, وجري تفنيدها والرد عليها, الأمر الذي تصورنا معه أن أمرها قد حسم, وأن الوقت قد حان لتجاوزها إلي غيرها.
(3)في بداية القرن الماضي( عام1902) نشرت مجلة المنار عدة مقالات للإمام محمد عبده, ردا علي ما كتبه فرح أنطون صاحب مجلة الجامعة, بشأن الاضطهاد في المسيحية والإسلام, في واحدة من تلك المقالات تحدث الاستاذ الإمام عن أصول التصور الإسلامي معتبرا أن قلب السلطة الدينية والاتيان عليها من أساسها, واحد من أهم تلك الأصول, وذكر في هذا الصدد أن الإسلام هدم بناء تلك السلطة ومحا أثرها, حتي لم يبق منها عند الجمهور من أهل الملة اسم ولا رسم. فليس لمسلم مهما علا كعبه في الإسلام, علي آخر مهما انحطت منزلته فيه إلا حق النصيحة والارشاد.. ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط الخلفية عند المسلمين بما يسميه الافرنج تيو كراتيك أي سلطان إلهي.
هذا الموقف الذي عبر عنه الإمام محمد عبده قبل أكثر من مائة عام ظل واقعا في حياة المسلمين منذ نزلت الرسالة, ولم يسجل التاريخ أن أحدا من أهل السلطة الإسلامية ادعي لنفسه قداسة أو عصمة أو أي نسب إلهي, حتي إن أحد العوام حين دخل علي الخليفة معاوية بن أبي سفيان, فإنه حياه قائلا: السلام عليك أيها الأجير.
إن المرء ليدهش حقا حين يجد أن بعض المثقفين لايزالون يصرون علي إثارة مسألة الدولة الدينية في زماننا, في استعادة غير مبررة للتاريخ الكنسي في أوروبا, وتأثرا بالنموذج الإيراني الذي يجسد تلك الدولة إلي حد كبير, ولا أعرف لماذا لم ينتبه هؤلاء المثقفون إلي الفروق الجوهرية في هذه المسألة بين أهل السنة الذين يمثلون90% من المسلمين, والشيعة الاثنا عشرية الذين لا تتجاوز نسبتهم10%.
الدهشة ذاتها تنتاب المرء إزاء التشكيك في موقف الإسلام من مسألة المواطنة التي أكدها الدستور المصري بنص حاسم في المادة40, التي تقرر المساواة بين المصريين جميعا دون تفرقة في الحقوق والواجبات, ناهيك عن أنها لم تعد موضوعا للمناقشة بين فقهاء المسلمين, وهو ما سجلته في كتابي الذي صدرت طبعته الأولي في سنة1985, وكان عنوانه مواطنون لا ذميون, ولست أشك في أن الذين يتنافسون هذه الأيام في تخويف الأقباط من كل ما هو منسوب للإسلام يجهلون أو يتناسون مثلا أن مؤسس حركة الإخوان ـ الأستاذ حسن البنا ـ شكل في أواخر الأربعينيات لجنة سياسية للجماعة, ضمت12 عضوا, من بينهم أربعة من الأقباط هم الأساتذة: لويس فانوس, ووهيب دوس, ويوسف أخنوخ, وكريم ثابت, وحين رشح نفسه لعضوية مجلس النواب في بداية الأربعينيات, كان وكيله في منطقة الطور مسيحيا, يوناني الأصل اسمه خريستو.
لقد لاحظ المستشرق الألماني آدم ميتز( صاحب كتاب الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) كثرة العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية المبكرة, فأبدي دهشته من ذلك وكان تعليقه كالتالي: كأن النصاري هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام.
علي صعيد آخر, فإن الذين قرأوا الحالة الإسلامية, وهم يرتدون نظارة تنظيم القاعدة ولا يسمعون سوي أصوات المتعصبين والكارهين, تجاهلوا موقف المرجعية الإسلامية ـ التي تطاول عليها البعض, ونددوا بالالتزام بها في ممارسة العمل العام ـ إذ قررت في نص صريح حق الكرامة لكل بني آدم, بصرف النظر عن أعراقهم وأجناسهم ودياناتهم, واعتبرت صيانة تلك الكرامة حقا من حقوق الله, يتعين تحصينه ضد أي عدوان. (4) أثناء حوار مع الدكتور كمال أبوالمجد حول دعوة البعض إلي إلغاء أو اضعاف المادة الثانية من الدستور, التي تنص علي أن الإسلام دين الدولة.. إلخ سمعته يطرح السؤال التالي: هل حدث خلال الثمانين عاما الماضية أن عطل وجود تلك المادة أي محاولة للإصلاح أو التقدم في أي اتجاه؟ ولأن الرد بالنفي, فإن دلالة حذف النص المستقر منذ عشرات السنين لابد أن تثير الحيرة, وتسوغ إساءة الظن, فضلا عن أنها تفتح الباب واسعا لإثارة حفيظة عشرات الملايين من المسلمين, ممن قد يعتبرونه إقصاء لدور دينهم, أو عدوانا علي مجتمعهم,
لكن يبدو أن العمي السياسي الذي يعاني منه المتعصبون والمبغضون حجب عن أصحابه رؤية مشاعر الأمة, وغيب عنهم إدراك مصلحتها في اشاعة الاستقرار, وتحقيق السلم الأهلي, بسبب من ذلك فإنهم لم يمانعوا في توتير البلد كله واشعال نار الغضب والفتنة فيه, في مقابل أن يستجاب لأهوائهم ونزواتهم, وهو ما وعاه جيدا البابا شنودة بطريرك الأقباط حين أعلن في الأسبوع الماضي رفضه لإلغاء المادة المذكورة لعدم تهييج مشاعر المسلمين, مؤثرا تحقيق المطالب بالتفاهم والتراضي.جدير بالذكر في هذا السياق,
أن تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصري, الذي أعدته نخبة من كبار المثقفين في البلد, وقدم إلي ممثلي الأمة في اجتماعهم الكبير1911 لتحرير العلاقة بين المسلمين والأقباط, هذا التقرير نص بوضوح علي أن دين الأمة المصرية هو الإسلام وحده لأنه دين الحكومة, ودين الأكثرية في آن واحد. ذلك أمر بعيد بطبعه عن المناقشات في المصالح الدنيوية العامة التي تكون بين الأكثرية وبين الأقلية السياسية, وكان قد قرأ التقرير علي المؤتمر التاريخي أحمد لطفي السيد( بك) ومساعداه في ذلك أحمد بك عبداللطيف, وعبدالعزيز بك فهمي( قبل أن يصبحوا باشاوات), وهم من طليعة المثقفين العلمانيين في مصر, الذين كانوا أكثر نزاهة ومسئولية من نظرائهم في زماننا.
إذا سألتني عن رأيي في تلك المناقشات, فاجابتي أنها عكست رغبة التحالف القائم بين المتعصبين وغلاة العلمانيين في تصفية حساباتهم مع الحقيقة الإسلامية الراسخة في مصر, مستفيدين في ذلك من الحملة الأمنية ضد الإخوان, ومن الأخطاء التي ارتكبها بعضهم, وفي محاولتهم تلك, فإنهم اسقطوا من حسابهم أولويات المجتمع ومصالحه العليا, معبرين بذلك عن انتهازية لم تستفز المشاعر الإيمانية في البلد فحسب, ولكنها اساءت أيضا إلي مفهوم ومقاصد الإصلاح السياسي المنشود. | |
|